
تجلس في غرفتها ذات الجدران الستة منذ سنين ...
تعد بالغرفة أنفاسها ..
ترفض كل مغريات الخروج منها أو الظهور في
الشارع الواسع الذي يمتد بامتداد البصر
تحيا وحدها في هذه الغرفة ..
تنتظر أن يمر على أعتاب غرفتها الفرح فتلحق ركبه ..
أو يمر الحزن و ينقضي خارج الغرفة .. بعيدا عنها ..
قرارها هو الجلوس في غرفتها ..
حتى يأتي الفرح طارقا بابها... أو يمر الحزن و ينقضي ( من بره ) ..
كل خبرتها في الحياة حزن واحد .. و لا شئ من الأفراح ..
غير أن أحدهم أخبرها أن الفرح لابد أن يمر ببابها يوما ..
لا تعرف من البشر في هذه الدنيا سوى جارة لها ..
تجلس جارتها - و اسمها سعيدة - في شرفتها
على مقعد متهالك و تجري من حولها الفئران ..
لا تغير جلستها أبدا ..
و لا تغادر الشرفة إلى الشقة و لا إلى الشارع ...
تمر 3 ساعات قبل
أن تطل الفتاة برأسها من شباكها لترى
رأس سعيدة فتسألها بتوجس و لهفة ....
هل سيمر الفرح قريبا ؟؟
هل مر الحزن و انقضى ؟؟
و ثلاثة أخرى ليتكرر السؤال ..
ثم ثلاثة ليعاد ..
بلا سأم ..
تأتي إجابة سعيدة دائما بالنفي ..
لا الفرح يأتي و لا الحزن يمر و ينقضي ..
دائما لاتنطق سعيدة حرفا
و تكتفي بهز رأسها ذو الملامح الميتة ..
و دائما لا تزيد الفتاة حرفا و تكتفي بالدخول و غلق شباكها ...
نادرا ما يقفز لبالها أن غرفتها بدرجة من الكآبة لا توصف ..
و أن خيوط العنكبوت التي تغطيها ليست من ملامح الجمال ..
و أن التراب الذي يعلو كل شئ فيها يبعث على الاختناق ..
نادرا ما تفكر بأن وجودها في هذه الغرفة وحيدة هو محض اختيارها ...
و لكن ما لم يخطر ببالها أبدا ...
أن الحزن لن تراه سعيدة من شرفتها يمر و ينقضي ..
فهو يسكن أركان البيت .. زواياه و جدرانه ..
و أن حتى رغبته في الهروب ممنوعة ..
فقد قفلت عليه بابا و شباكا ...
لم تفكر انه مكان ميت ..
لا أنفاس به سوى لروح الحزن التي تسكن المكان ..
و أن الفرح أيضا لن يخبر سعيدة أنه قادم ..
إنه ينتظر في الطريق ..
يقبع في مكان ما ..
ليس سرا ..
يجده من يبحث عنه ...
و أنه لا يراه الا من كتب لهم ان يروه ...
لن يطرق الأبواب معلنا وجوده و انتظاره لنا ...
ربما يكون الآن في شرفة سعيدة ذات الفئران ...
ينتظر الفتاة ...