الثلاثاء، 7 يوليو 2009

و الرضا لمن يرضى


1
الأفكار لا تنضب ، و لا تفارق رأسي ، و لكن شئ ما يحول بيني و بين الكيبورد ، بل و القلم أيضا ، يحول دون أن أدون أي شئ .. أي شئ .
بعض مرات أشعر أن هذه الصفحة ليست المكان ، و أن التي فَتحتها قبل أكثر من سنة ... ليست هنا الآن ، لم تعد ، كانت أكثر اكتئابا و بؤسا و إحباطا ، و كانت ترى في الكون- فقط - ضيقه و محاصراته المستمرة المتوالية لعظامها الهشة . رغم أنها كانت أقل تشوها من الآن ... أقل كثيرا .

2
الذين يتخذون قرارتهم فورا ، و يصدرون أحكامهم على الآخر - أي آخر - بشكل حاسم و محدد قبل أن يمر وقت - أي وقت - حمقى.
و اللاتي يتخذن قرارات الشراء بعد مشاهدة واجهات المحلات الأولى فقط ، و يقعن في غرام أول قطعة يجربونها و يحسمن دون تردد أمر الشراء ... يستحقون أن أرفع نصف شفة اندهاشا .. و أن أترك لذهني السؤال يدور و يدور ... ( إزاي قرروا بسرعة كده ؟ )
الذين يطلقون أحكام متطرفة حاسمة و لهم مواقف بعيدة عن الحيادية تماما تجاه مواضيع ربما لا تخصهم بالمرة و ليس بينهم و بين تجربتها أية خيوط ... كائنات غريبة ... حد الاختلال.

هكذا كنت أظن ، قبل أن أدرك أنه لولا حياديتي و إسرافي في التفكير و ترددي تجاه الكثير جدا من الأشياء / الأشخاص / المواقف لكنت بكرت في الوصول حيث أنا الآن ، و لكان نضجي ما استغرق كل هذه الشهور لتتضح معالمه ، و لكنت أكثر ثقة فيما أستنكر الآن كيف كان يراودني فيه الشك و يمتنع اليقين .
ما يبهرني أكثر ، أني لو عدت للوراء متخلية عن ترددي و كثير من الحيادية ،لما اختلفت مواقفي كثيرا و لكانت كل قراراتي : ( لا ) أيضا.
ممتنة للتجارب ، و لكن لو خيرت ، لما اخترت إعادتها ، و لما منحت نفسي فرصة للتأكد أكثر من مرة أتحمل في كل منها الكثير من الألم .. لأتأكد .. أن ما أفعله ... هو فعلا ما لا أريده .. البتة . زاعمة في كل مرة أن الأمر ربما يستحق فرصة أخرى تصل بي لليقين.
الذين يحسمون بلا تردد و يشترون فورا و يتطرفون في آرائهم .. لا يمنحون أنفسهم و لا الآخرين فرصة أخرى .. و يتعذبون أقل .
و أنا أغبطهم .


قبل أسبوع واحد كنت أستقبل الصيف و أنا أقسم أن أمنحه ما سلب مني العام الماضي و حال دون أن آخذ منه ما يكفيني من الدفء.
أغني أغنية الشتاء ** و أردد :
ينبئني شتاء هذا العام أننا لكي نعيش في الشتاء لابد أن نخزُنَ من حرارة الصيف و ذكرياتهِ دفئا 
و أربت على ذراعي و أنا أخبرني بأنني ما دمت أبعد أصحاب الثلج الإبري و الخناجر عن صدري .. عن محيطي ..
فدفء الصيف لي ..و الشتاء .. 
و فرحة الراحة .. و الرضا .. و اليقين .
الآن أشعر بالخوف .... على صيفي .. و شتائي ، من حماقات تتنازعني ، و أخشى أن تعاود قسمي بعد أن زارتني أخيرا بهجة اقتراب التمام شملي .

4
الليلة أيقنت في شرفتنا و هذا الهاتف على أذني أني كنت أتحرك بشكل لا واعي جدا تدفعني ثلاث رغبات متخفيات ملحات
الأولى ... أن يسمعني أحدهم فلا يقاطعني أيا كان الهراء الذي أقول .
الثانية .. أن أجد لدى آخر ذاكرة مشتركة ، اكتشفت أني افتقد في حديثي جدا كلمات مثل .. " فاكر لما ... " .
الثالثة .. مش هقولها .
هل لاحظ الكثيرين أني أفتقد ( الرغي ) جدا ..
( اللي متضايق يقول ;) )

5
ضبطت عيني أكثر من مرة على وشك أن تدمع في مواقف شديدة العادية ، لا أعرف سر هذا الكم الهائل من الامتنان الذي صار يصاحبني ، أن أمتن ... لا بأس ، لكن أن أمتن حد البكاء .. أمر حديثة عهد أنا به .
الذين يجلسون حولي و يضحكون من حديثي و يسألون عني ، الذين يتصلون على الموبيل لأرد بنفسي عوضا عن الاتصال بالبيت ، الذين يرسلون لي الصباحات الباسمة و الذين يحذرونني من ( كباية الشاي السخنة ) و من هواء شرفتنا البارد ، و الذين تضيق أعينهم و هم يسألونني باهتمام حقيقي ( مالك ؟ ) .. الذين يشاركوني الغناء بلا تذمر من حبي للأغاني القديمة و الذين لا يسخرون من إلحاحي في طلب ( عسلية رفيعة بالسمسم ) ... الذين يبتسمون في الشارع في ود غير زائف عندما أضحك و أنا على وشك الوقوع و الذين يستقبلون رسائل أسئلتي الساذجة و يردون عليها في اهتمام و جدية، و الذين يعتقدون أنني .... ( بنت كويسة ) ....
أشعر بامتنان لوجودي في الحياة بينهم ... لوجودهم حولي ... على الرغم من أن الأمر سيبدو طبيعيا جدا لأي من يقرأ ، و لا يستوجب مني امتنانا يدون !!

6
ممتنة أنا لتجربة الــ 24 ساعة الأخيرة ... لم أندم .
بل أنا أكثر أمتنانا لأنها أكدت لي ... أنه لم يفتني قبل ما يستحق الندم.
و أن الله قريب ... يحول بيني و بين بعض الخسارات التي يعلم أني أكثر هشاشة من قسوتها ...
و أني كفراشة ... لم تفهم معنى أن يأكلها اللهب إلا قريبا ، فإن الحوائل بيننا .. 
تصب في مصلحتي مؤكدا ..

7
تلح على رأسي كثيرا و على لساني الآية "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ "
يارب ... أشهدك أني رضيت و أرضى و أرضى و أرضى
فارض عني ، ارض عني ، ارض عني .
_______
** أغنية الشتاء قصيدة لصلاح عبد الصبور


الأربعاء، 1 يوليو 2009

ميــــلاد


الطفلة ذات الضفيرتين المثنيتين التي كانت تقتسم معي (اللوليتا ) في ابتدائي ... أصبحت أما .
فرحت فرحة بلهاء عندما أخبرتني بشكها في الحمل ،  لم أحمل أي مشاعر خاصة لجنينها طوال 9 أشهر ... أنا أخشى الأمر ، أندهش منه ، و لا أعرف حتى كيف يفترض بمشاعري أن تكون تجاهه ...
عندما لحقت بزوجها في بلاد البترول ظللت ألح عليها شهور حملها.. أن تجد حلا يجعلني أعرف بلحظة ولادتها ، و هي تسخر مني ، بأنها لن تفيق لشئ أو لأحد لحظتها ... و لو حدث .. فأهلها أولا .
قبل أربع ساعات رنت علي رنة واحدة ، أزعجني أنها لم تعتد الرن على في هذا الموعد ، و أني أبحث عنها منذ الصباح و لا ألتقيها ..
تركت تحذيراتي و تهديداتي لأختها التي أخببرتني أنها حادثتهم قبل ساعات و كانت مؤشرات الولادة تزورها على استحياء ، و سألتها عن سر الرنة ، و أنا أخبرها في خجل  " انا قلتلها ترنلي و هي داخلة تولد  ... ممكن تكون عملت كده فعلا !! " ، فتفزع معي ... و يخاصمني النوم في لحظات تنتظر هي أن تهب جنينها الحياة ، فيما يأكلني هنا القلق عليهما ، بشكل أقسم أني لم أختبره في حياتي مطلقا .
حبيبتي فتاة ولدت لتكون أما .. و قد حدث .
مبهورة أنا حد الافتتان هذه اللحظة بفكرة الولادة و منح الحياة ، أتوق لرؤية صغيرتها و تقبيلها ، و أتوق لأن أرى عينيها لحظة التقاء وليدتها ، و أتوق لمراقبتها و هي تقبلها القبلة الأولي  ، و أتوق لرؤية زوجها يضمهما معا لأول مرة ...
قبل شهور .. كنت أسأل نفسي بسذاجة : كيف تغادر فتاة أهلها و بيتها و بلدها و صحبتها لتسكن بيتا واحدا مع رجل التقته مؤخرا جدا .. و جمعهما عقد ؟؟
و بعد سفرها ... صرت أسأل نفسي بنفس السذاجة  و لكن بشكل أكثر إلحاحا:
هل يستحق رجل - أي رجل - أن تهجر له حياة اعتادتها بكل ما و من فيها ، لتحيا معه و معه فقط ، بل و تنجب له أطفال تتحمل مسئوليتها التي يعلم الله كم يرهبني مجرد الحديث عنها ...
الآن ، في لحظة أفكر فيها في شعورها و هي إلى جوار زوجها يحتضنان الصغيرة ، يمنحان الحياة لطفلة ، و يتبادلان النظرات التي تحمل كثيرا من العهود التي ربما لن ينطقاها ...تنسى هي آلامها بفرحة فيما يغمره الامتنان و الرضا ....أشعر أن الأمر يستحق ... 
لا أعرف كيف يحدث هذا لي .. و لكني أشعر كما لو كنت أولد من جديد مع الصغيرة ، و أبكي فرحا ، بكاء أقسم أني لم أذقه من قبل أبدا .....
اللهم بارك لهما في الصغيرة ، و اجعلها لهما قرة أعين ، و اجعل من ذريتها من يرضيك عنها ، و يصلح في أرضك ، طيبا طائعا ، غير متكبر و لا عاص .
 

أوركــــيد أبيض Copyright © 2009 Flower Garden is Designed by Ipietoon for Tadpole's Notez Flower Image by Dapino