الثلاثاء، 17 مارس 2009

من ضفايرها طل القمر




صباح غريب آخر ،و مزاج ينقلب من النقيض للنقيض في لحظة مجددا ، مرور عابر أمام مرآة تركن على الحائط أبدا ، تزيح بعده خصلات شعر طائرة للوراء ، ثم تطمئن لسكون خصلات تائهة وراء أذنيها ، تتجاوز عتبة الغرفة ، و تتجه دون تفكير لتغسل وجهها ، في محاولة لاستجلاب صباح حقيقي ، بلا فائدة ..


فوق الحوض ، مرآة أخرى ، كما العادة تمضي لحظات الدهشة الاولى من هذا الوجه الذي يطل بإصرار من المرآة ، تبتسم لأنهه تدرك أسرع من المعتاد أنه وجهها ، و لأنها تستحق على أقل تقدير في هذه الحياة .. أن تبتسم لوجهها في المرآة ، تمرر سبابتها بين عينيها مرورا بأنفها و حتى ذقنها ، بين شفتيها تضع سبابتها لبرهة ، تبتسم مجددا ، و تخرج.


الدولاب .. خروج هذا الصباح ؟؟
لا


تفتح ستائر الشرفة الكبيرة عن آخرها ، ثم تزيح الشبابيك و هي تقسم على الشمس و على نسيم الصباح أن يخلقوا في هذا اليوم فرقا.


من الدرج الأخير تخرج دفترا يرجع عمره لأيام المراهقة الأولى ، الصف الأول الثانوي ربما، بدأت فيه محاولة فاشلة
-كالعادة - لكتابة مذكراتها ، بين ثنايا النصف الأول من الدفتر ضفيرة سوداء ناعمة في آخرها شريطة وردية اللون ، و قبل المنتصف ضفيرة أقصر من سابقتها ، بشريطتين مضفرتين لهما درجات اللون الأزرق.


تداعب أطراف شعرها النائمة في نعومة على رقبتها و أوائل ظهرها، و تميل برأسها يمينا و يسارا تفحص طوله .. كيف أصبح الآن ؟


قصته في الست شهور الأخيرة مرتين ، في الأولى ..لتغيظه ، و في الثانية .. لتغيظه أيضا .


لم و لن يعلم شيئا عن إحدى المرتين في الغالب غير أنها تستمتع عندما تنظر لوجهها في المرآة بعينيه ، فتلامس الأطراف القصيرة المتطايرة في عشوائية منمقة جدا ، و تخرج له أطراف لسانها ، مبتسمة في دلال .


بخطوات واسعة و حركة سريعة تزيح الأثاث من الصالة الواسعة لأطرافها ، تملأ الأطراف و تسكنها بكل ما تلقاه في طريقها ، هي تعرف حتى و لو لم تبح بأنها تهرب من اللجوء للأركان ، تشغل نفسها لئلا تهرب منها لوضع الجنين على أرض ركنة ما و وجهها للحائط مدفون بين ذراعيها.


على اللابتوب المرفوع فوق أحد رفوف المكتبة العالية ، أعدت مسبقا قائمة جدبدة من أغاني لم تهتم بأن توافق ذوقها تماما ، و في غرفتها ترتدي الفستان الأرجواني ذو الذيل الذي يلامس منه الأرض شيئا بسيطا ، تنزع من صندوق حليها في خفة القرط و العقد خاصة الفستان ، حافية القدمين تركض للصالة التي أزاحت للتو للأطراف أثاثها و ملأ فضاها صدى الموسيقى المنبعث ، دون أن تفكر أو تحسب شيئا تترك لخطواتها و جسدها الانسياب مع الإيقاع ...


لا تفكر حينها في زمن ، و لا أشخاص ، و لا آلام الصدر أو جروح المضغة التي تحاول الحياة داخله ، تنسى كل شئ و أي شئ و تغمض عينيها إلا عن أطياف لأسرتها تمر أمامها و أثاث مكوم على الجوانب و تتجاهل رائحة للحنين تتسرب إلى مسامها شيئا فشيئا ....


تدرك أختها واقفة على بعد خطوات منها ، صامتة في ذهول ، تأخذ بيديها لتشاركها الرقص ، و تستجيب لها الأخرى بذات الذهول ، تبقي أصابعها في يدها و هي تنظر لها مأخوذة و تسألها
"انتي مكنتيش بترقصي كده ؟؟ "


تبتسم لها دون رد ، و تترك أصابعها ، متجهة إلى سريرها حيث تركت الضفيرتين داخل الدفتر ، تأخذهما، و في طريقها للنافذة تفك شرائطهم ، تفتح الشباك على مصراعيه ، تمضي لحظات تائهة في السماء ، ثم تبدأ في فك الضفائر و هي تمسكها بين أصابعها ، تنتهي من فكها ثم تبسط يديها خارج النافذة و تترك الهواء يأخذ من بين يديها شعيراتها المتباينة الطول المموجة بفعل الضفيرة، تتابع في الهواء خصلاتها الطائرة هنا و هناك ، و تلك التي سكنت على الأرض ..


تغلق النافذة ..


تختفي حتى الأطياف من أمام عينيها .. و دون أن تشعر لعنت سرا هذه الحياة التي ترغمها على اتخاذ قرارات ..


تحاول مواصلة الرقص .. فتعجز عن ذلك ، و يفقد جسدها قدرته على الانسياب مع النغمات ، فتقف في مكانها ، و تغطي عينيها بذراعها ، كما الأطفال ، تمد شفتيها للأمام مقطبة الجبين في تذمر مضطرب ، تدبدب بقدميها على الأرض و هي تصر في صوت يهمس بقوة ..


" انا كان معايا حق ، و كبيرة و اد كلامي ، و مش هقعد في الركنة أعيط "


تسمعها أمها ، فتضحك منها ، و تقول لها : " طب يا كبيرة ، رجعي الصالة زي ما كانت ، و مفيش كبيرة تحط في فستان زي ده دبوس عليه دباديب .. ربنا يهديكي ."


تفك الدبوس و تلقي به جانبا .


ثم تجلس حيث هي في منتصف الصالة الواسعة ، الفارغة إلا منها و الأثاث المركون على الأطراف ،تخفي عينيها بذراع و بالثانية تنزع عن رقبتها العقد و عن أذنيها القرطين و هي تحدث نفسها بأنها تعلم يقينا أن شعرها عما قريب ستعود ضفيرته لطولها ، و أنها قصدت من قرارتها تلك التي تطاردها لعنتها .. تحري الحق .. و الحق أحق أن يتبع.


تلعن في سرها تلك الثلاثية التي تطاردها بلا سأم ...


الحنين ، الانتظار ، ادعاء قوة لا تملكها .
تلعن هذه الثلاثية ولا تتخلص منها ..


حتى بعدما تحررت من ضفائرها و أهدتها للقمر.


في ذات الفستان على سريرها بأغطية كثيرة تدفن وجهها في مخدتها المحببة و هي تتنفس مزيج من مشاعر ليس لها اسم
فقط تعدها .. أن الصباح القادم سيهبها الأفضل .. و يمنحها ما تنتظر.

سيفعل.
(يارب يفعل بقى.)


هناك 17 تعليقًا:

تــسنيـم يقول...

مش عارفة إذا كنتي تعرفي والا لأ إن دي حاجة معروفة.. إنك تقصي شعرك لما تكوني بتنهي علاقة كنوع من أنواع التخلص من الماضي والبدء من جديد.. أينعم مش مُجدية أووي وعن تجربة يعني بس دي حاجة معروفة

______________
تلعن في سرها تلك الثلاثية التي تطاردها بلا سأم ...الحنين ، الانتظار ، ادعاء قوة لا تملكها . تلعن هذه الثلاثية ولا تتخلص منها



شكــرا مش عارفة أقولك ايييييييه والله

الحلم العربي يقول...

كعادتك مبهرة لا مبهورة
لا أدري لماذا عندما اقرا لك أشعر بأني أتجدث مع نفسي من الداخل
مش مجاملة و الله دي حقيقة
ماشاء الله عليكي
دمتى مبهرة :)))

basma saghir يقول...

انا كمان قصيت..بس كنت بغيظ نفسي مش اكتر...شوفتي العبط :)

فقط تعدها .. أن الصباح القادم سيهبها الأفضل .. و يمنحها ما تنتظر.
سيفعل.


هيفعل..والله هيفعل

آيــة يقول...

توتا ..

معرفش خالص على فكرة و أول مرة أسمع الموضوع ده منك ..و هي أكيد مش مجدية على فكرة..

لا شكر على واجب ;)



الحلم العربي :
دمتي رافعة لروحي المعنوية ، فرحانة انك بتلاقي منك عندي .. :)


بسمة :

قصيتي شعرك زيـ(ـها) .. و قدريتي يا بنت الايه ؟؟
:))
هيفعل .. انا مصدقة .. و مطمناله .. يارب بقى

nudy يقول...

البوست جميل ومعبر واد ايه الواحد كتير بيبقي محتاج يتحرر من نفسه بنقسه اتمني ان ياتي لك الصباح القادم بهدبة جميلة تملا حياتك سعادة

غير معرف يقول...

" انا كان معايا حق ، و كبيرة و اد كلامي ، و مش هقعد في الركنة أعيط "

غير معرف يقول...

جـــــــربت مــــــــره تــعمل حاجه للاقـصي

لو ما جربتش جرب تشـــــــارك معــــــــــنا

يمكن نقدم حاجه تكــــــــون مفـــــيده تنفعــنا

ويمكــــن بيها في الجنه ربنا يجــــمـعنـــــــا

خليــــــــــــــــــك جـــرئ وشــاركنـــــــــــا

بامكناك ان تشارك في نهضه امــــــــــــــتنا

لا تقل لا استطيع المشاركه في بناء عزتـــنا

ان عــــــزتنا تكمن في تــحرير غفلــــــــتنا

ندعوك ان تشترك معنا للنهوض بدولتــــنا

لا تتردد فانها فرصتك في مساعده اخواتنا

حمله :بايدينا ندفع الخطر عن الاقصي
رابطه مدونون من اجل فلسطين

MaNoO يقول...

اشكرك الصدفة اللى وصلتنى لمدونتك الرائعة بكل المقاييس اسلوبك فى الكتابة خيالى بدون مجاملة ولو رجعنا لموضوعك هنا هاخد منه احساس الحرية وخاصة فى الصباح الرغبة فى التجديد وخاصة فى الصباح كل هذه الاحساس قادرة على تغيير حياتنا الى الأفضل استمرى بكل حرية وتممنى فى كل صباح ان تشاهدى الجديد فى هذه الدنيا تقبل احترامى وتقديرى
واتمنى التواصل بالمدونات

يمامة شاردة يقول...

أد ايييييه جميييل البوست ده
الأسلوب و المعنى و البساطة

تصدقي.. نفسي أوي أعمل زيها :)
بجد نفسي..

اممممممممم
نجرب.. مفيش مشكلة

جاري التفكير في كيفية التنفيذ ;)

إبـراهيم ... يقول...

سيفعل .. أيتها .. الجميـلة


تفـاصيـل .. واحشااااني قوووي ...


أنا عارف إنها غلطتي


ولكنها ممتعة للغاية


حاولي أن تجربي ما نصحتكِ به ....

سيفعل، وأكثر


صباحاتكِ .. أنتِ ... ووجهكِ في المرآة ..أجمل

دمتِ بهذا الجمـــــال

hasona يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
آيــة يقول...

نودي :

ياه يا نودي .. أنا كمان أتمنى و الله ..
لي و ليكي يارب
:))


شروق :

:)
هي كان المفروض تكتب في مرة لاحقة .. " انا طلعت كبيرة فعلا و اد كلامي و مقعدتش في الركنة أعيط "
و تبتسم و تطلع وش بيطلع لسانه و يغيظ الدنيا

أحب مرورك
:)



رابطة المدونين من أجل فلسطين :

ماشي حاضر



manoo
عارف هي زي ما تكون مش الرغبة في التغيير او التجديد .. هي رغبة بالأصح لاستجداء الحياة
شكرا على مرورك .. تحياتي


يمامة شاردة :
طب ما تعملي .. مستنية ايه بس ؟؟
و ابقي قوليلي على نتيجة التجربة بقى
;)


ابراهيم :
غلطتك .. شفت بقى
أجرب .. مش عارف .. هفكر أكيد
دمت رافعا لمعنوياتي :))

الكومنت المحذوف :
شكرا ..
بس مسحته ليه ؟؟
انا شفت كل حاجة على فكرة :)

غير معرف يقول...

مش فاهم حاجة

hasona يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
آيــة يقول...

الغير معرف :
نوفد لسيادتكم مذكرة توضيحية في الحال
;)


الكومنت المحذوف :
لا بجد انت غريب جدا بتكتبه و تمسحه ليه ؟؟؟
بردو شفت كل حاجة ...

المرة الأولى بالامارة كانوا كلمتين اتنين
:)

hasona يقول...

السلام عليكم

رائعة في وصف التفاصيل البسيطة

،،،
نلعن الدنيا عندما نراها دايما بتلك النظارة السوداء

نحبها جدا عندما نراها من خلال الالون المبهجة
نرسم نضحك نرقص
نطير في السما
نحلق علي ارتفاع مع الطيور

وعندما نعود الي الارض نتخذ قررات صعبة وعشوائية

ومن ثم نعود الي الدائرة
والتي تضم الكثير من
حلم وخنين وانتظار وتظاهر 00و00و00

ونوقن بأن غدا هو يوم الافضل وبه الجديد

ان غدا لناظره لقريب

تحياتي

آيــة يقول...

hasona :

أشكر لك مرورك جدا :))
بالفعل مختلفة هي الحياة تماما بالألوان
و لا أدري اذا كنا من يختار أن يراها من خلال النظارة السوداء أم أنها تفرض نفسها على أعيننا ..
ليس يقين في الغد بأنه أفضل بقدر ما هو عشم فيه ..
نتعشم في الغد دائما أن يصالحنا ،، و يحمل لنا الأجمل
يارب

تحياتي لك :))

 

أوركــــيد أبيض Copyright © 2009 Flower Garden is Designed by Ipietoon for Tadpole's Notez Flower Image by Dapino