
(هناك ) مكان .. لا تعرفه على وجه التحديد .. و لا دليل حقيقي واحد على هذه الأرض يدعم يقينها بوجوده فعلا.
تشعر أن ثمة من يرعاها هذه الأيام بشدة من (هناك) .. يحنو عليها ، يمسح على وجهها و شعرها إذا ما لامست فراشها ، و يبعث إليها بنسمة باردة محببة تستنشقها في سعادة و تحبسها صدرها ، لتنعم بأحلام حلوة .. غير تلك التي كانت تصر منذ أيام على مداخلة نومها المضطرب أصلا.
(هناك) .. من ذلك المكان ..
تشعر أن أحدهم يدعو لها و لا ينساها ..
عندما استطاعت إنجاز مهامها في زمن قياسي ، و بقي صدرها على رحابته ، و عندما بعث الله لها هذا السائق الذي منحها دون أن يدرك أملا و راحة تكفي لأيام كثيرة ، و عندما بارك الله في رصيد الموبيل ليكفي ستة رسائل دفعة واحدة ، و عندما أطرت عليها هذا الطفلة التي لا تعرفها بعد دعابات قصيرة و شوكولاتة اقتسماها ..و سألت أمها في حياء و هي تبتسم..
" ماما .. هو أنا لما أكبر هبقى شبه طنط ؟ "
عندما شعرت فجأة أن هناك من يتمنى / يحب أن يصبح مثلها ..
أحست كما لو أن كل هذا يحدث .. لأن أحدهم (هناك) ..
لا ينسى أن يدعو لها .. يتمنى لها الخير..
يغمض عينيه عليها .. فيحفظها و يرعاها ..
هؤلاء الذين ( هناك ) ..
كانت تعرفهم ربما .. ثم فارقت بينهم مسافات و حياة تحمل خطط مختلفة ..
يذكرونها ربما عندما يخالطهم فراغ فيمروا مرورا سريعا بأرقام تحملها موبيلاتهم ..
فيتوقفوا عند اسمها .. و يبتسموا .. و يتمنوا سرا لو كانت بخير ..
أو تخطر ببالهم عندما تذكر إحدى لزماتها أو أمنياتها ، أو أكلاتها المحببة أو وصفاتها المطبخية الغريبة ... فيحكون عنها ، و يهمسون في رجاء لو يعطها الله ما تتمنى .. و أكثر
أو يمرون بصفحتها البيضاء .. فتتراءى لهم أطيافها من بين كلماتها.. فيتنهدون ...
و يتمنون من الله لو عثرت على حلم .. و نالته ..
أو يجدون خطها بين أوراقهم أو في محفظاتهم و حقائبهم .. فيتأملونها .. و يتسائلون عنها .. و يفتقدونها ..و يكون أول دعائهم في السجود لها .. أن يرضى الله عنها و يراضيها ..
هؤلاء الذين ( هناك ) ..
ربما لم تعرفهم بعد و يعرفونها .. و لكن يشعرون بافتقادها و ينتظرون وصولها لحياتهم سالمة آمنة ..
فيسرون إلى الليل بدعواتهم أن يحفظها الله لهم .. أصدقاء ربما يبحثون عنها ..و لم يجمعهم طريق في الحياة بعد ، أو زوج يرجوها من الله صالحة طيبة .. فيودعها عنده أمانة كل ليلة .
يسألون الله لهذه الغائبة التي لم يعرفوها بعد أن يأمن طريقها .. و يحفظها.
ربما كان الـ(هناك) هذا محض خيال تسأتنس به ..
أو أمنيات تبثها في هيئة أحاسيس ..
أو(عبط) كما قال البعض حتما و هو يقرأ ..
لكن ظنها الذي يقارب اليقين .. أن هذا الـ ( هناك ) حقيقي جدا جدا
يحوم حولها .. يسأل عنها و يتسمع في خفية أخبارها .. قريب .. قريب .. قريب
لكن لا دليل لديها سوى إشارات تحاول تأويلها .. و بعض مشاعر لا تستطيع القبض عليها ..
#
هل يعرف من ( هناك ) كم تمتن لرسائلهم .. حنوهم .. شفاعاتهم لها عند ربها ؟
......
اتصالها الروحي بعالم آخر(هناك) طالما كان يثريها و يغنيها و يكفيها
غير أن أيامها هذه تحتاج كل من ( هناك) ليصبحوا (هنا )
ليس فقط لأنه لم يعد ( هنا ) من يحنو عليها و يرعاها مثلهم
بل أيضا لأنها تتوق كل ليلة ..
اذا ما شعرت بيد تمسح على وجهها و شعرها .. لو ترفع رأسها قليلا فتقبل أطراف هذه الأصابع الحانية .