
ملحوظة : البوست شخصي .. وطويل .. و بس
****
امبارح ... كان يوم مميز .. محكيتوش لحد ، و خفت تضيع تفاصيله مني و أنساه .. و أنا حابة أوي أفتكر تفاصليه و إحساسه ، حتى لو مش حد هيفكرني بيه أو هتشترك ذاكرته معايا في حمله ، فالمكان هنا أثبت لي مرارا أنه صديق طيب ، وفي و مخلص .
*****
أمس كان اليوم الأخير لكورس استمر أيام قليلة ، قبل أن أخرج من البيت كنت عازمة على أن أكتب عن اليوم ، و لم يكن عندها يدور بذهني ، أنه سيعني لي الكثير ، و أنه سيخالف بتميزه توقعاتي لرمادية الأيام ، و يكسر في صدقه السرعة الكاذبة التي تمر بها الأيام و الأسابيع في الفترة الأخيرة ، ما جعلني أقرر الكتابة عنه هو أني استيقظت قبل موعدي ( السابعة و النصف ) -الذي أستيقظ فيه عادة بصعوبة جدا - مرتين ، في السادسة مرة و في السابعة إلا ربع مرة ، قلقت مرتين في نومي لأنظر للساعة لأتيقن أن الوقت لم يفتني لأقوم .... لألبس الطقم الجديد .
فرحت بقلقي حد الطيران ، و ابتهجت من قلق اللهفة هذا بهجة طفلة في الثامنة ، كنت أشكو هذه اللهفة التي صارت تخاصمني ، اللهفة التي تجعل النوم يجافي عيوننا في ليالي العيد ، لشوقنا للبس الجديد ، و التوق الذي يجعلنا نتقلب في الفراش بالساعات في الليلة التي تسبق رحلة أو مصيف أو اجتماع عائلي ، نبضات القلب المرتفعة و سرعة الإيقاع و الحركة و عد الأيام في انتظار وصول أحدهم من السفر ، أو يوم الملاهي ، أو حفل زفاف سنلبس فيه الفستان الواسع و الشراب ( أبو الدانتيلا ) و الجزمة (الفيرنيه) .
قلقي من النوم هو أكثر ما جعلني أشعر أني بالتأكيد فرحانة باللبس الجديد ، حين وصلت للموقف الجديد كنت قد استطعت تقييم (الطقم الجديد ) كما بدا لي في نظرات الآخرين ، و أتاني شعور حسبت أنه هجرني بأني مميزة جدا .. بشكل و طريقة ما ، لا بد أن أحدا في وقت ما سيدركهم مثلي .
بعكس كل المرات التي يقبض فيها قلبي و أنا على أبواب كلية الزراعة و حتى أصل لللاب الذي نتدرب فيه ، كنت أشعر بارتياح لكونها المرة الأخيرة التي أضطر فيها للقدوم ، بدا لي موقفي من المكان محدد سلفا منذ أخبروني أننا سنأخذ الكورس هناك ، اندهاشي و استنكاري لعدم وجود علاقة له بموضوع الكورس على الإطلاق و بعده عن الجامعة حيث اعتدت الأماكن و التفاصيل و حيث أشعر بانتماء كبير و حميمية مع الأفراد و الأبنية ، كما لو كنت قررت أن يضايقني المكان ، و قد كان ، برغم اتساع حدائقه و نظافة ممراته و أبنيته التي بدت عليها تطويرات و تشطيبات حديثة عالية التكلفة . بعيدا عن الساحات كنت أشعر أن اللاب يحتويني لأبعد الحدود فأكاد لا أخرج منه إلا مضطرة .
لا أعرف لماذا يزيد شعورنا بدفء الأماكن و الآخرين كلما اقترب فراقنا لهم ، لم تكن مجموعتي مميزة أو قريبة مني للدرجة ، و لكني شعرت معها بدفء أفتقده منذ سنة على الأقل ، سؤالهم عن غياب اليوم السابق ، تلويحاتهم لي من بداية الممر ، حرارة السلام ، و دعابات الإفطار ، و اتفاقات الخروج كلها على بساطتها أشعرتني بوجود مختلف لي ، وجود على الرغم من توسط حيويته ، عنى لي الكثير .... أعرف أن ما كان يميز إحساسي وقتها ، هو نفسه ما جعل اليوم مميز لي ، الصدق .
فرحت بنجاحي في الفوز بعلاقة مختلفة جدا ، رائعة جدا مع أستاذي ، الذي أصر قبل أن ينصرف على أن نتبادل الإيميلات و أن أسجل كل أرقام هواتفه عسى أن أحتاج لمساعدته في رسالتي ، أحببت احترام أحدنا للآخر على اختلاف توجهاتنا تماااااماااا ، و أحببت إصراره على الدفاع عني أمام العامل الذي ضايقني عندما قال له " دي بنتي ملكش دعوة بيها .. كلمني انا " ، و أحببت تواضعه الجم و غفرانه لبجاحة أسئلتي عما يعنيه له توجهه اليساري ، و إصراري منذ اللحظة الأولى كما لاحظ أن لا أكتفي له بالإيماء و الموافقة ، أبهرني - وهو ما لم يحدث من زمن - حبه للحياة في تلقائية و بساطة ، اهتمامته في تنوعها و حرصه في المدوامة عليها و الحديث عنها على غرابتها ، كلها أشياء أشعرتني أن ثمة رسالة مبعوثة إلي عبره - و أنا فقدت حساسية استقبال الرسائل من زمن - مضمونها أن ما نحتاجه للسعادة حقا ، أبسط كثيرا من تطلعاتنا التي نرهقها بالتعقديات و الاشتراطات و القيود و زوائد اللغة مثل لو ، ليت ، لا فائدة ، لابد ، بشرط .....
غيرنا خططنا في منتصف اليوم فبعد أن كان اتفاقنا أن تخرج المجموعة كاملة ، انفصلت أنا و ليلى و نسمة عنهم بعد إصرارهم أن تكون الخروجة مركب في النيل ( الساعة اتنين الضهر ) ، و أكلة كشري على قهوة بلدي في التحرير ( من بتاعت الشيشة و الطاولة و الدومينو و الكراسي الخشب و الرجالة ) ، لم تكن لدي رغبة في الاحتراق بالشمس و لا الغرق في العرق ، و لم أكن أنوي بأي حال ... الجلوس على قهوة بلدي أرى أنها مكان رجولي بكل معنى للكلمة !، و لم أندم على قراري لأن الخطط المغايرة أمتعتني جدا . فعلاقتي بليلى و نسمة على سطحيتها - مقارنة بأصدقائي - تحمل كما مهولا من الصدق و الاحتواء و التحمل و التقبل ، لا واحدة منا تحمل توقعات من الأخرى أو ترغمها على تفكير أو قول أو تصرف بطريقة معينة أيا كانت ، لسنا مضطرين لأن نتحدث عن أنفسنا أو نحكي عن مشكلاتنا و همومنا الشخصية ، فنحن نجنح بشكل تلقائي لكل ما هو مشترك بيننا ، و على الرغم من أن أحدنا لا تهتم بالسؤال على الأخريات في فترات الغياب ، بل أن أرقام التيفونات قد تضيع في كل مرة و لا نبالي ، إلا أننا متى التقينا في كورس أو عمل أو دراسة نجد في اجتماعنا متعة قغير مقيدة و حرية و تلقائية غير مشروطة و لا محسوبة ... و هو ما أحسبه عظيم فيما بيننا .
ضيعنا أكثر من ساعة من الرغي في أماكننا قبل أن نحسم قرارنا بدخول السينما ، و كنا قد فوتنا بالطبع حفلة الواحدة ، بين قطعنا للتذاكر و انتظارنا لموعد الفيلم ، قضينا أكثر من ساعتين من أنقى و أبسط ما قضيت في حياتي ، ضحكنا ، كم الصور الرهيب الذي التقطناه ، رحلتنا الممتدة لحوالي ساعة في سوبر ماركت مترو من أول مكتبته الصغيرة التي فررنا كتبها واحد واحد ، ثم الوقوف عند كل رفوف الشوكولاتة في محاولات من نسمة و ليلي لإبعادي عنها احتراما للنظام الغذائي الذي تتبعانه و أفسده لهما ، نخرج بعدها بـ 3 كانز ، و كيس مارشميللو بـ 10 جنيه ( يجب التنويه عنه ) بعد أن استنفذت مجهودا خرافيا في إقناعهم ببساطة سعراته الحرارية ... كل هذا بعد أن اكتشفت لدى خروجنا من كلية زراعة أن كل ما أحمله في محفظتي ... 30 جنيه ، لا بد أن تكفي لعودتي للفيوم (لمن لا يعرف 9 جنيه أجرة الميكروباص و حسبي الله و نعم الوكيل ) ، و السنيما ، حاجة حلوة ...
لم أحب فيلم إبراهيم الأبيض ، و كدت أقسم لدى خروجي منه على أن أقف على شباك التذاكر أنصح كل من يقطع له تذكرة بأن يستبدلها بأي فيلم آخر حتى لو كان ( عمر و سلمى ... و رزقه على الله بقى ) ، و لكني أحببت الصور التي التقطناها قبل دخول السينما و داخلها ، إصرارهم على تصويري بنضارة الشمس رغم إصراري على كرهها ، و عندهم معي و قسم ليلي التي اشترت لي وردة حمراء قبل دخول الفيلم لأنها ستتماشى مع درجة من درجات لون طرحتي على أن تهدني في المرة القادمة نظارة شمس ، تحررنا في التصوير لتطلع الصورة (أنا ) و ليس تمثالي ، أحببت الصور على الرغم من أنها لم تكن أبدع ما التقط لي ، و لكنها كانت تشبه روح اليوم ، و روحي ، تشبه سني الذي استمر شعوري بأني أحبه جدا و أصالحه ، و أنه يوافقني بدرجة كبيرة ، بعكس حالي السنة الماضية عندما كنت أهرب منه للعام الذي يسبقه ، بل لستة أو سبعة أعوام سابقة اذا استبدت الفكرة بي .. و لا أبالي .
بعد الفيلم تمشينا قليلا و غادروني في مواصلاتهم لأنتظر ميكروباص للفيوم في شارع الهرم ، كدت أفقد الأمل به و أبدأ في حساب قدرة ماتبقى معي من مال على نقلي لمكان آخر حينما مر ميكروباص تطل من شباكه صغيرة لم تتجاوز السادسة تنادي بصوت رقيق لا يتجاوزها ( فيوم فيوم فيوم ) فهمتها من حركة شفاها و من التقاطي للوحات الميكروباص و ظللت أومئ لها برأسي و ظلت تنظر لي باندهاش و فقدت الأمل بأنها ستصدق أني لا أعاكسها ، أو أنها ستستطيع إخبار السائق في الوقت المناسب ، على بعد 200 متر .. لا بأس . لم أفكر و أن أصعد أن أمسك وجهها الرقيق و أقبلها و أقول لها ( إنتي جميييييلة و عظيمة كمان ) ليس فقط لدهشتي و إعجابي بها ، بل لفرحتي أني وجدت ما أركب أخيرا ، و لأنها أخبرتني و أنا أصل أن الأجرة 6 جنيه ، و هو ما يعني عودتي للبيت بتاكسي و تبقي 2 جنيه كاملين معي . أما صلاح أخوها الأصغر فكان يشبهها في وجه ملائكي أبيض و ملامح جميلة أشبه للبنات ، بعد أن امتلأ الميكروباص عرضت على أمه أن أجلسه على رجلي ، و رحب هو بعد أن تبادلنا قبلها الكثير من النظرات و الابتسامات و الدعابات ، بعد دقائق بسيطة كان يمسك يدي التي كنت أضعها على وسطه ليقول لي ( خالتو صوابيعك فيها حاجة مش نضيفة ) ، فكتمت ضحكتي و فرحتي لئلا يخجل مني و قلت له ( يا خبر .. ازاي حد تكون صوابيعه مش نضيفة كده ) و أخذت أفركها فقال لي ( اغسليها ) فقلت له ( لما أروح.. هجيب ميه منين هنا ) فقال لي ( ماما عندها في الشنطة الزرقا ازازة ميا كبيرة اشتريناها من السوبر ماركت اللي تحت عمتو ) ، فضحكت و قبل أن أتكلم كان يصرخ بأمه أن تعطيه الماء و فعلت ظنا منها أنه سيشرب و أعطاني الزجاجة لأغسل يدي ، نام بعدها صلاح حتى وصلنا للفيوم و قبل أن ينزل سألني ( خالتو انتي اسمك ايه ؟ ) ، فضحكت منه أمه و شدته في نطرة عاتبة ( انت زهقت خالتو ) ... لو يعلم صلاح و أخته و أمهما ما أضفوه على يومي !!
أما الطقم الجديد .... فمدينة له أنا بفرحة أول النهار و اللهفة، و بثقة اليوم و شعوري المميز بي، و بحبي لسني ، و بإحساسي أني به تحررت من قيود حصن طفولي آمن أتشبث به كلما دب إلى قلبي شئ من الخوف مما يلي .....
على ناصية الشارع لا أدري كيف أتاني هاجسا أني سأجد زوزي تتصل بي بمجرد أن أغير ملابسي لتسألني " كنتي فين لحد دلوقتي يا هانم " ، لأخبرها قبل كل شئ " أنه كان يوم حلو اووووووووووووووي " ، ثم لا تجد هي في تفاصيله شيئا مبهرا أو مدهشا يستحق كل حماستي و لكن تقول لي ، " صوتك فرحانة ... " .
في آخر الليل جلسة في الهواء مع طبق بطاطس محمرة كبير و فيروز تغني " اديش كان في ناس .. " و أنا أدندن معها ....و أشعر حينها أن الله لم يعط أحدا مثل ما أعطاني ، و لم يمن على أحد منته علي ، و أني لا بنقصني شئ .. أي شئ . و أنه لولا نسياني أن أشتري كيس عسلية بالسمسم تهفو إليها نفسي منذ أسابيع ... لكنت ملكت الأرض و ما عليها .
و قبل دقائق من نومي أقرأ ما كتبته الجميلة غادة ، و في اللحظات القصيرة الفارقة بين النوم و اليقظة أدرك أني لم أحك شيئا من هذا اليوم لأحد .. أي أحد ، فلا أجد في نفسي من هذا ضيقا ، و أبتهج لشعوري بالونس معي .
*****
ملاحيظ مهمة
الأولى : اليوم ده اللي هو الثلاثاء 23 يونيو ... بس مكنتش لحقت أكتب
الثانية : كان عزيز علي قالب المدونة القديم اوي .. بس قل أصله و أدبه و بيغير على مزاجه الألوان و اتجاهات الكلام ، مكنتش ناوية أفرط فيه أبدا ، بس هو اللي باع ... نصيبنا كده بقى :)