الاثنين، 22 يونيو 2009

مقايضات يونيو الرمادية


هامش **

أصبحت أشعر باغتراب عن هذه الصفحة البيضاء في الشهر الأخير ،أكتب هنا دائما لتنعكس صورتي في مرايا - تفتقدها أرضي - حتى و لو بين ثنايا قصص كاذبة، لازمتني بعض شهور فرحة الانتصار لحقيقتي التي لا أضطر لتزييفها هنا، ربما لا أحبها ( حقيقتي ) تماما ، بل أنها بعض مرات ... تستحق أن أخجل منها ،غير أنه الأقسى منهما ، هو أن أشعر أن بيني و بين أن أصدقني كل هذه الفجوة التي تؤذيني ... تؤذيني جدا .

*******
الحياة .. رجل رمادي (قليط) بياقات بيضاء طويلة ، يجلس على رصيف شارع مظلم به العديد من التقاطعات ، و القليل من الإنارة ، لا لحية له و لا أمارت للوقار ، لم تغرني التاء المربوطة في نهاية الحياة بتصورها أنثى ، ربما لتحيزي للأنثى ، و اعتباري أن الحياة بالذات في رماديها ... ليست بأي شكل أنثى.


أحاول تذكر مقايضاتي الأولى مع الرجل الرمادي ، فتأبى علي ذاكرتي طَول البدايات كما العادة ، فقط أذكر قبل سنوات طويلة لم أكن أملك فيها سوى طاقة للحلم لا حدود لها رغبة في أن يكون لي حلم كبير ( يتجاوزني) ، و أني مُنحته في مقايضة مقابل فقد الكثير جدا من الأحلام الصغيرة ( من ذات التفاصيل الكثييييييرة ) ، و أني لم أدرك وقتها الفقد -الذي أدركه الآن- بقدر ما أدركت الفوز .
طلبت منه أن يمنحني كثير من الثقة بالنفس ، و شعورا بالنجاح ، و رغبة في الحياة ، فكانت لي في وقت لم أنتبه فيه لأن هناك ما يدخره لي ، فقد أدخر لي في هذه المقايضة صدمتان ، الأولى أن " دوام الحال .. محال "، و الثانية " أنه انتي لسه مشفتيش حاجة يا شاطرة .. " ، و أضاف إلي في ذات المقايضة قدرا كبيرا من السذاجة و قصر النظر ربما .
لم أتهم عندئذ الرجل الرمادي و كان ما شعرت به أنه ثمة غدرا استمر نصله في ظهري دون أن أدري منذ 21 سنة .
و كمحاولة للتخلص من جروح النصل في ظهري و من الصدمتين قايضت ، حلمي الكبير ، بأحلام كثيرة صغيرة ، ليس فقط لأني كنت أحتاج أحلامي الصغيرة و لكن لمكان شاغر للحلم.. و آه ثم آه ثم آه من مكان شاغر للحلم ...
أحلام عذبة صغيرة لتفاصيلها روائح و ألوان خاصة جدا دافئة جدا عذبة جدا ... أفقد مقابلها النوم السريع و أحلام النوم مستبدلة بأحلام اليقظة و أفقد كثير من قدرتي على الإنصات و الابتسام و الاحتمال .
نمت وقتها بداخلي غيري ، أو للدقة نميت أنا بداخلي ، و استطونت غيري (أخراي ) خارجي ، حتى ضقت بها فقايضت ، أن تصبح المحبوسة داخلي حرة مقابل خسارة بعض الأحلام ، و بعض الأصدقاء ، و أخسر بكاء الليل اللامبرر، و رعشة في آيات سورة السجدة ، و قدر كبير من التحفظ و العدوانية .
ثم قايضت مرة أخرى في 2008 عندما استبدلت من الرمادي ضحكة صفراء تكرهها أمرأة عمي ، و تستفز أختي بصمت أو نصف ابتسامة أو علامات تعجب ، و قايضت مرة أخري عندما تمنيت لرمانة صدري تلك التي لها لون القلب ، وشكله من ينقرها ، فخسرت إزاء ذلك احترامي لحسن تقديري و كثير من ثقتي و اعتدادي بنفسي و أن رمانتي صارت حبات و لو قليلات منها .. مفروطة ، و معها خسرت صوت ضحكة عالية ، و شهية للأكل و معدة مطاطية ، و اضطرابات هضم ، و سبعة كيلوجرامات ، و قدرة على السخرية و حس للفكاهة .
ثم لم أمل من مقايضة الرمادي فساومته على أن يأخذ مني كثير من القلق و كثير من الأرق ، و لعنات الزهير ، على أن أتخلي في المقابل عن اللون الروز من دولابي ، وعن الخاتم الفضة ذو القلبين ، و العقد اللؤلؤ الذي أدخرته لرقبتي في يوم كنت أنتظره ، فلم يأبى علي و وافقني . و فوق ذلك أخذ مني آلام ضلع صدري المجنون و نصف عضة على شفتي السفلى ، مانحا إياي كثير من الورق ... بلا أقلام.
و قايضت مجددا سوادا عندي بشئ من الأمل و بعض الهدوء و ذهن خال و تحرر كامل من أي شئ و كل شئ .
ملخص المقايضات
اللي خدته و رجعته :
الأحلام الكبيرة و الأحلام الصغيرة - الثقة بالنفس - رغبة في الحياة- شعور بالنجاح -الصدمتين -تفاصيل الأحلام

اللي خدته و بقي :
أن تصبح المحبوسة بداخلي حرة - الصمت - أنصاف الابتسامات - علامات التعجب - عودة شهيتي - ذهن خالي و كثير من الهدوء و الرضا و المصالحة و التحرر حتى من الحلم - كثير من الورق -

اللي خسرته و مرجعش :
قدرة على الإنصات - الابتسام - الاحتمال - بكاء اليل اللامبرر - رعشة آيات سورة السجدة ، الكثير من التحفظ و العدوانية
- حبات مفروطة من رمانتي -شهية للأكل - معدة مطاطية - 7 كيلو - القدرة على السخرية - القلق - آلام الضلع المجنون - اللعنات-السوداوية - اللون الروز من الدولاب و الخاتم الفضة و العقد اللؤلؤ .

لا طاقة بي هذه الأيام لحساب مقدار الخسائر أو المكاسب ، غير أن الوضع الراهن ... هو أني أجلس بجوار الرجل الرمادي على رصيفه ، و لا أبصر أمامي طرق ، و لا قاطعات ، و لا إنارة ،و أشعر أن علي النهوض ، و أن الخطوة التالية .. لابد أن تكون البحث عن أقلام ترسم .. تخط .. تكتب الأحلام بطاقتها التي لم تتبدل عن عهدها الأول .. قبل أن يسيطر الرمادي على المكان فيحيله عذابا يشهد الله أني لا أطيقه.. و أصبح بعدها بقليل .. فتاة رمادية أخرى.
المقايضات عندي ترتبط بيونيو .. فقد غير حياتي مرتين .. الأولي قبل سبع سنوات ، و الثانية قبل سنة واحدة ، يوشك على الإنتهاء ... و لا يبدو في الأفق .. سوى المنطقة الرمادية.

ملحوظة هامة :
أنا بشكل حقيقي جدا لا أشعر بالسخط على حياتي أو الضجر منها أو الاكتئاب، بالعكس أنا أعيش في مساحة واسعة جدا من الرضا ، و السلام ، أخشى أنها في الحقيقة منطقة رمادية ، و أنا أكتشف مؤخرا أن الحياد ليس موقفا ، و أنه لا يناسبني أبداااا ، الحسابات السابقة أقرب لمستوى الفانتازي ، و لولا رضا عنها لما بت في سلام ، فبداخل يقين أني رغم كل شي ، لدي الكثير جدا من المكاسب ، إن كان أولها الخبرة فإن آخرها ليس أني لن أخسر ما خسرته من قبل مرتين ...
عشان زي ما بيقولوا ... " محدش بياكلها بالساهل :)) "
********
البوست إهداء لمهجة ... صباح الغموض
:)

هناك 5 تعليقات:

الحلم العربي يقول...

زمان تبهرني طريقتك في الكتابة
لكنى لا احب تلك السوداوية و لا الرمادية خاصة منك أنت ...
لازال في العمر الكثير إن شاء الله
و لازالت الحياة تحمل من المفاجآت ما لا يستطيع عقله استيعابه الآن
فقط ثقى أن كل عذاب نتحمله اليوم هو حجر نزيحه عن طريقنا ليريحنا كثيرا في الغد
أن ما خسرتيه هو شئ صغير لما ستربحيه غدا و أنك إن أعطيتى حق الاختيار لاخترتي ان تخسريه
و ثقي أيضا أن الحياة و إن كانت قد أرتك وجهها الرمادي الذي ظننت منه أنها رجل فستريك غدا من الجمال ما يجعلك توقنين أنها انثى .. ولكنها مثل جميع الإناث (متقلبة المزاج) فلنتحملها كي نفهما ذلك أفضل
آخر شئ أريدك أن تثقى منه : أنه لن يخرج أحدنا من هذه الحياة إلا و قد استكمل رزقه عن آخره و ذلك من فضل الله و عدله سبحانه
اتمنى أن أرى تدوينتك عن منح و عطايا يوليو و أغسطس و سبتمبر قريبا إن شاء الله :))))))))

Lobna Ahmed Nour يقول...

غموض يكشف عن كينونة فريدة واصابع تجيد العزف في المناطق الرمادية
موضوع مبهر وبديع بكل المقاييس
ربما لم استسغ النتيجة الختامية لاحصاء المكاسب والخسائر كثيرا لكن تناولك لفكرة المقايضات التي لا تكف عن استنزاف شخصياتنا الحقيقية اعجبني وقرأت بين كلماتك نفسي وهزائمها
عجيب هو يونيو لابد ان فيه سرا ما

غير معرف يقول...

وانتى من اهله -بالنيابة عن مهجة-
وفى المجمل...
اجد انك فى حال جيدة جدا
واهلا بعودة شهيتك من جديد..

Aml Ghonaim يقول...

ودائما أتساءل :
من أين تأتيك تلك الأفكار ؟ وكيف تصوغينها بهذا الأسلوب ؟!
لا أصدق أن يونيو رماديا ؟!!
يونيو = امتحانات ؛
والامتحانات لدي شيء آخر ...
ربما أحكي لك يوما عن متلازمة الامتحانات معي !
عندي لك عالما جديدا .. أطلعك عليه حينما ألتقيك ...
أحبك جداااااااااااا

آيــة يقول...

ايوية :
:)
لتعليقك من مصر شكل آخر :)))
للصدق أنا رغم كرهي للمنطقة الرمادية إلا أني أعتبرها من المنح و العطايا ، فأي لون في نظري أفضل من الأسود ، لم أكتب بسوداوية لكن لا أراكِ الله حياة حيادية بهذا السخف ...
أنا أثق بأني لن أموت قبل أن أستكمل رزقي عن آخره ، و أن الله يحمل لي في الغد .. ما هو أفضل ..
و كفى بها نعمة .. أن بي اليوم من النعم ما يفوق طموحي له ، و ما ينسيني الأمس الرمادي ;)


uniqe :
الحسابات نوع من الفانتزيا ليس أكثر ...أكثر على الرغم من كبر خانة الخسائر فيها ، أني كسبانة ... و كتير كمان... يونيو ذكرياته معايا حلوة ... و مقصرش في حاجة و الله اهوه :)
يسلم مرورك يا جميلة :)


غير معرف :
ده نظام نشرة أخبار الخامسة و العشرين ..
هذا و قد أكد السيد المسئول ما تناقلته الصحف و المدونات و التعليقات بأني الحمد لله - كما تجدين - في حال أكثر من جيدة جدا بشوية ..
أدامها الله نعمة و حفظها من الزوال بقى

و شهيتي بتسلم عليكي ;)

أمل :
أشكر المدونة التي تطمئني أنك لازلت على قيد الحياة ... لا و كمااااان بتعشمني اننا هنتكلم و نقول كلام كتير !!
أتوق أنا لحكاويك عن عالمك الجديد ... يارب نلتقي قريب ..
أفتقد .. و أحبك أكثر يا غالية :)

 

أوركــــيد أبيض Copyright © 2009 Flower Garden is Designed by Ipietoon for Tadpole's Notez Flower Image by Dapino