
أن هذه ليست حياتها الأولى ... و أنها بالفعل عاشت من قبل عدد كبير جدا من الحيوات ..
التي لم تكترث يوما بعدها ..
و لم تحتفظ منها حتى بذكريات حميمة ...
لم تستطع أن ترى شيئا مشتركا بين كل حيواتها إلا مؤخرا و مؤخرا جدا ...
تذكر أنها عندما كانت صبيا في الحادية عشر من عمره كانت تعمل تباعا على ميني باص
( بتوع الجمعيات ) كانت وقتها - كصبي - يجد المتعة في عمله جدا ..
فقد كان له صوت مرتفع .. و كان يعشق الطيران ..
و هو شئ إجباري في هذه الوظيفة حيث أن فقط قدماه تلامسان السلمة الأولى بصعوبة ...
كان يحب جدا أن يضع اليومية على اليومية و يعدهم في الليلة الواحدة عشرات المرات
مصنفا إياهم لفئات القروش و الملاليم و الشلنات ( ذكريات قديمة جدا )...
كاتبا في ورقة بخط ركيك خطط مهولة لإنفاقهم في يوم الأجازة ...
كانت إحدى هذه الخطط أن يشتري نظارة شمسية ...
تمنح الشباب على ما يرى وسامة و غموض و جاذبية .. أراد أن يجربها ..
تحقق حلمه البسيط .. حتى أنه لم يستطع أن يتخلى عن نظارته حتى في أوقات عمله ..
باذلا مجهودا كبيرا في الحفاظ عليها مرتكزة على أنفه قابضا لعضلاته خوفا عليها من السقوط ...
ثم تذكرت عندما كانت رجلا أربعينيا ناضجا .. كرجل ..
كان يملك من الملابس فقط قميص و بنطلون يبصر على حالتهم عدد كبير من السنوات ..موظفا كان ..
عندما قرر أن يعطي القميص و البنطلون لجارته الطيبة لتغسلهم .. توسل للمكوجي أن يؤجره بدلة سوداء .. ليوم واحد ...
راقه في هذا اليوم كون البشر يوسعون له الطريق و يدعوه السواق للركوب جواره و يناديه التباع ب " يا باشا " ..
ظل يماطل المكوجي أياما طويلة انتهت بأن يستلف منه ثمن بدلة يشتريها مستعملة من العتبة على
ان يرجع للمكوجي ثمنها قسطا ..
من مرتبه ... تمادى في لبس البدلة و عاش دور الوجيه ... امتعه تهامس البسطاء من أهل الحي بأنه ربما
ورث إرثا كبيرا .. أو ربح في يناصيب ..و استغرق وقتا طويلا قبل ان يسأم البدلة
لما تكلفه له من وقت و مجهود في العناية و الحفاظ عليها و يشتاق لإهماله للقميص و البنطلون..
يحب فكرة كونه وجيها و يجبن امام فكرة خلع البدلة ...
وحده المكوجي يعرف أنه رجل فقير .. و أنه ليس وجيها .. و يبتسم في خبث ..
ثم تذكرت عندما كانت امرأة في الثلاثينات متزوجة من رجل غليظ الطبع ضخم الجثة ...
كانت ترى أن يومها المجهد في العمل صباحا و في المنزل حتى ساعات الليل المتأخرة ..
يبرر لها أي تصرف تفعله ...
تضايقها حركات زوجها التي تمنعها من النوم ..
في حركة متهورة ..
تربط رجله بحبل في عمود السرير .. تفكه في الصباح ..
لتتلقى علقة لا تترك في وجهها مكان غير ملون ...
هي تحتاج للحوافز فلا تستطيع أن تأخذ قرارا بالغياب من العمل.. فتقترض من جارتها نقابا ...
للمرة الأولى تنزل للشارع بالنقاب ..
ينادونها بشيخة ..
يعجبها الأمر تتمادى في كونها تدعي الفضيلة ..
يتعافى وجهها .. تعجبها المكانة و الإطراء .. تشتاق لخلعه فهي لا تحبه .. و لم تلبسه لله من البداية ...
تجبن أمام خلع النقاب ..
و وحده زوجها يعرف أنها تربطه ليلا في عمود السرير .. و يبتسم في خبث ...
أما الآن و هي فتاة في ال 21 .. تختلف ظروف حياتها عن كل الحيوات التي عاشتها من قبل ...
فثمة تفاصيل أخرى تعايشها .. تخنقها .. و تجبن أمام نكرانها ..
و أننا جميعا على مسرح الحياة نقوم بدور الساذج .. أبطالا حينا .. و مشاهدين أحيانا ..
و تدرك أيضا أن هذه الأفكار في النهاية يمكن وضعها في فئة الأفكار العبثية التي لا ينتج عنها سوى أسئلة عبثية .. نستطيع أن نولع فيها ..
" فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور "
------------------------------------------
أنا لسه بمتحن برده اللي يعدي من هنا يدعيلي :)