الأحد، 25 مايو 2008

اذا عشت مرات كثيرة .. فكر في العامل المشترك


هي الآن فتاة .. و عمرها 21 سنة ..و تعلم تماما أن ثلاثة شهور يتآمرون ليصبحوا 22 ..

و أن ملك الموت قد يكون أسرع نفوذا إليها ..


هي تزعم دائما أن لديها الكثير من الأسرار التي تخفيها .. و التي لا ينفذ إليها أحد مهما كان قريبا منها ...


أحد تلك الأسرار ..

أن هذه ليست حياتها الأولى ... و أنها بالفعل عاشت من قبل عدد كبير جدا من الحيوات ..


التي لم تكترث يوما بعدها ..


و لم تحتفظ منها حتى بذكريات حميمة ...


لم تستطع أن ترى شيئا مشتركا بين كل حيواتها إلا مؤخرا و مؤخرا جدا ...



تذكر أنها عندما كانت صبيا في الحادية عشر من عمره كانت تعمل تباعا على ميني باص


( بتوع الجمعيات ) كانت وقتها - كصبي - يجد المتعة في عمله جدا ..


فقد كان له صوت مرتفع .. و كان يعشق الطيران ..


و هو شئ إجباري في هذه الوظيفة حيث أن فقط قدماه تلامسان السلمة الأولى بصعوبة ...


كان يحب جدا أن يضع اليومية على اليومية و يعدهم في الليلة الواحدة عشرات المرات


مصنفا إياهم لفئات القروش و الملاليم و الشلنات ( ذكريات قديمة جدا )...


كاتبا في ورقة بخط ركيك خطط مهولة لإنفاقهم في يوم الأجازة ...


كانت إحدى هذه الخطط أن يشتري نظارة شمسية ...


تمنح الشباب على ما يرى وسامة و غموض و جاذبية .. أراد أن يجربها ..



تحقق حلمه البسيط .. حتى أنه لم يستطع أن يتخلى عن نظارته حتى في أوقات عمله ..


باذلا مجهودا كبيرا في الحفاظ عليها مرتكزة على أنفه قابضا لعضلاته خوفا عليها من السقوط ...


كان يتمادى في لبسها .. و يرفض أن يخلعها ..

حتى ظنه أحد كبار السن يوما أعمى و أخذ في تشجيعه و حثه على العمل و الصبر و أخذ يبشره بالجنة ...

لم يرد على الرجل و تقبل نصيحته باسما .. من وقتها تنهال عليه كلمات التشجيع و مفردات الإعجاب و الإنبهار ..

و يتمادى هو في الإدعاء .. إنه يحب كونه فتى خارق يعمل عملا صعبا على المبصرين فكيف به ؟؟ ..

و قي الوقت نفسه .. لا تضايقه نظارة الشمس ...

يستغرق وقتا حتى يشتاق لرؤية ضوء الشمس و لون النهار و خضرة الشجر ...

يجبن أمام فكرة خلع النظارة .. و التخلي عن كلمات الإطراء اليومية ...

وحده السواق يعرف أنه مبصر ... و يبتسم في خبث ..


ثم تذكرت عندما كانت امرأة عجوز تنتمي للطبقة الأرستقراطية لا تصاحبها إلا خادمتها الفقيرة ..

رغم كونها وقتها أمرأة عجوز إلا أن صحتها كانت جيدة جدا .. على ما تذكر ..

فهي ذكريات قديمة أيضا ... غير انها كانت أمرأة شريرة .. تعترف بهذا ..

كان يضايقها لعب الأطفال حولها إذا جلست في النادي .. و لهذا أمرت خادمتها أن تشتري لها عصا شديدة .

.لتضرب بها الأطفال إذا ضايقوها .. استخدمت العصا لهذا الغرض فقط مرات قليلة ..

قبل أن يظن كل من يراها أن عجزا أصاب رجلها .. و أنها .. يا مسكينة .. تعتمد على العصا في مشيتها ..

لم تكن تتوقع أن تجلب لها هذه العصا كل هذا الكم من الشفقة و المساندة ممن تعرف و من لا تعرف ..

تتمادى في الإتكاء على العصا بل و تتقن المشية العرجاء .. تستغرق وقتا قبل

أن تسأم من مسك العصا و تشتاق للمشي السريع أو الجري ربما وراء أحد الأطفال المزعجين ..

تجبن أمام فكرة ترك العصا .. و التخلي عن هذا الكم من الشفقة ..

وحدها خادمتها تعرف أنها ليست عاجزة .. و تبتسم في خبث ..


ثم تذكرت عندما كانت رجلا أربعينيا ناضجا .. كرجل ..


كان يملك من الملابس فقط قميص و بنطلون يبصر على حالتهم عدد كبير من السنوات ..موظفا كان ..


عندما قرر أن يعطي القميص و البنطلون لجارته الطيبة لتغسلهم .. توسل للمكوجي أن يؤجره بدلة سوداء .. ليوم واحد ...


راقه في هذا اليوم كون البشر يوسعون له الطريق و يدعوه السواق للركوب جواره و يناديه التباع ب " يا باشا " ..


ظل يماطل المكوجي أياما طويلة انتهت بأن يستلف منه ثمن بدلة يشتريها مستعملة من العتبة على


ان يرجع للمكوجي ثمنها قسطا ..


من مرتبه ... تمادى في لبس البدلة و عاش دور الوجيه ... امتعه تهامس البسطاء من أهل الحي بأنه ربما


ورث إرثا كبيرا .. أو ربح في يناصيب ..و استغرق وقتا طويلا قبل ان يسأم البدلة


لما تكلفه له من وقت و مجهود في العناية و الحفاظ عليها و يشتاق لإهماله للقميص و البنطلون..


يحب فكرة كونه وجيها و يجبن امام فكرة خلع البدلة ...


وحده المكوجي يعرف أنه رجل فقير .. و أنه ليس وجيها .. و يبتسم في خبث ..





ثم تذكرت عندما كانت امرأة في الثلاثينات متزوجة من رجل غليظ الطبع ضخم الجثة ...


كانت ترى أن يومها المجهد في العمل صباحا و في المنزل حتى ساعات الليل المتأخرة ..


يبرر لها أي تصرف تفعله ...


تضايقها حركات زوجها التي تمنعها من النوم ..


في حركة متهورة ..


تربط رجله بحبل في عمود السرير .. تفكه في الصباح ..


لتتلقى علقة لا تترك في وجهها مكان غير ملون ...


هي تحتاج للحوافز فلا تستطيع أن تأخذ قرارا بالغياب من العمل.. فتقترض من جارتها نقابا ...


للمرة الأولى تنزل للشارع بالنقاب ..


ينادونها بشيخة ..


يعجبها الأمر تتمادى في كونها تدعي الفضيلة ..


يتعافى وجهها .. تعجبها المكانة و الإطراء .. تشتاق لخلعه فهي لا تحبه .. و لم تلبسه لله من البداية ...


تجبن أمام خلع النقاب ..


و وحده زوجها يعرف أنها تربطه ليلا في عمود السرير .. و يبتسم في خبث ...





أما الآن و هي فتاة في ال 21 .. تختلف ظروف حياتها عن كل الحيوات التي عاشتها من قبل ...


فثمة تفاصيل أخرى تعايشها .. تخنقها .. و تجبن أمام نكرانها ..


تدرك الآن ما لم تدركه من قبل ..

تدرك أن هناك دائما من يعرف الحقيقة و يبتسم في خبث ..

و أننا جميعا على مسرح الحياة نقوم بدور الساذج .. أبطالا حينا .. و مشاهدين أحيانا ..



و تدرك أيضا أن هذه الأفكار في النهاية يمكن وضعها في فئة الأفكار العبثية التي لا ينتج عنها سوى أسئلة عبثية .. نستطيع أن نولع فيها ..


" فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور "


------------------------------------------


أنا لسه بمتحن برده اللي يعدي من هنا يدعيلي :)

هناك 9 تعليقات:

غير معرف يقول...

انا اتفاجئت باللي قريته
بجد رائعة
ربنا معاكي في الامتحانات

مين أنا يقول...

بوست مُبدع إلى أقصى ما يمكن أن أتخيل... الفكرة رائعة... والأسلوب أخاذ... ما شاء الله ... ربنا يوفقك في الإمتحانات والكتابة وكل حاجة...

Lobna Ahmed Nour يقول...

فكرة جميلة ومبتكرة

ياترى مين مننا بيشوف العامل المشترك

دعواتي بالتوفيق

غاوي حرية يقول...

بجد بجد اسلوبك رائع وبوست احييكي للصبح عليه يا فندم .. بصراحة اول مرة اتشرف بزيارة مدونتك ومش اخر مرة ويا ريت تزوري مدونتي وتقوليلي رأيك ... مش عايز اطول عليكي ربنا يتقبل منكي ويوفقك ويوفق كل المسلمين والمسلمات ويلا بقى سلامووز

موناليزا يقول...

ربنا يوفقك وبالنجاح البهر ان شاء الله
ماكتبتىيه ينم عن كاتبة لها مستقبل كبير باذن الله فالقصة رائعة حقا

نور الدين (محمد الجيزاوى) يقول...

لا ادرى ماذا اكتب
كيف تسللت الى هذا العمق الانسانى مثل الشمس تتخلل حتى ابعد الجحور باشعتها التى لا تقبل الرد لتختلط بذرات ترابنا الاحمق وارواحنا المتأججة ..
كيف هويت بنا الى عمق انفسنا فاستخرجتى مخبؤ ارواحنا ثم طفوت بنا برقة لينظر كل منا الى وجهه من جديد
فاذا بنا نكتشف اقنعة من فوق اقنعة حتى صرنا لا ندرى هل كان لنا وجها ذات يوم
........
ياليت اناملك الرقيقة رقةحد السيف كما اسقطت الاقنعة تدلنا على حقيقة الوجوه
.....
اريد ان اكتب واكتب
ولا انسى أن احيي حرفك الراقى ولغتك الفصحى التى صارت اشد ندرة ممن يتقن السريانية
........
دمتى بخير
كنت أود دعوتك الى زيارة مدونتى ولكن بعدما قرأته احسبنى لست قادرا على دعوة الشمس الى جحرى المتواضع فلتمضى بسمائك العالية
..........
نور الديم محمود

بسمة ولكن.. يقول...

الله يا ايوش
انا بشكر الامتحانات اللى طلعت كل الناس دى من جواكى
صحيح ببذل جهد رهيب عشان احافظ على جفونى مفتوحة ومنمتش بقالى يومين بسبب المحروقة الامتحانات ومش شايفة الكيبورد
بس مقدرتش احرم نفسى اكمل البوست واعلق... سلام عشان كده فصلت

Salma Amer يقول...

هذة هي الحياة كل واحد يهرب من الحقيقة يحاول أن يعيش دور مش مكتوب له ينظر إلى دور أخر
البوست جميل شكلة كدة إبداع الامتحانات ولا اية
تحياتي وربنا معاكي

كلام على بلاطة يقول...

لانسة المبهورة
صباح الخير بالليل
لقد قرأت كتاب يؤكد ما تقولينه
ويتبنى نظرية تناسخ الارواح
وما زلت احتفظ به
وفيه الكثير مما تقولين به
والله اعلى واعلم
تحياتى

 

أوركــــيد أبيض Copyright © 2009 Flower Garden is Designed by Ipietoon for Tadpole's Notez Flower Image by Dapino