
لا أعرف السبب تحديدا الذي جعلني أعود لأرشيف مايو العام الماضي في المدونة ، أيا كان هذا السبب .. فقد جعلني أكتشف أنه .. ما أبعد الليلة عن البارحة ، قبل سنة كاملة كتبت عن السودواية ، و عن قراري (الخِطِر) بالتحول إلى كائن سوداوي حانق حاقد حاسد غاضب ..و لتذهب البشرية كلها إلى الجحيم ، استطعت الآن أن أعرف لماذا ضحك كل من قرأ ما كتبت وقتئذ ، و أن أشعر بمنطقية التعليقات التي شعرت وقتها أنها تريد استفزازي ليس أكثر، و لماذا شعروا أن في الأمر حس فكاهي و روح للدعابة على الرغم من أني كنت أستشيط غضبا وقت كتابته .
اكتشفت خلال تلك الفترة (سنة) و بعد عِشرة و عيش و ملح معايا أني لست من ذوي القدرة على حبس الضيق و تخزينه ، و لست أيضا ممن يجيدون مراكمة الغضبة فوق الأخرى ، و العكرة طبقة بعد طبقة ، اعتبرت أن تحملي وحدي للضيق و الغضب بدون اقتسامهم مع أسبابهم بالبوح أو الانفجار ظلما شديدا لي ، يأتي على كل ما لدي من طاقة إيجابية ، و يفقدني بسرعة غريبة أبسط مبررات الرغبة في الابتهاج أو الحياة أصلا .. و يجعلني أتحول فجأة – على غرار المتحولون – إلى كائن شعنون – و دي حقيقة من الأول – أصب غضبي الغير مبرر بشكل كافي أصلا على من ليسوا سبب في الغضب ، و لا علاقة لهم به .. أو بي في مرات كثيرة .
أعرف أن أسرع ما يعكرني و يقلب مزاجي هي أشياء عادة بسيطة جدا ، شديدة الصغر و التقليدية ،غير مقصودة غالبا و غير منطقية لدى كثير من الناس ، ما لا و لم أستطع أن أعرفه .. اذا كانت أشياء بهذه البساطة قادرة على تعكير الحياة بهذا الشكل ...لماذا لا أجيد التخلص منها بنفس المقدار من البساطة ؟؟
تصورت أن الأمر ربما يكون بسيطا اذا رفعت شعار :" اللي يضايقني او يعكر جوايا حاجة ، ييجي يشيل اللي عمله ، او يقسمه معايا بالنص" ، كحل عادل يعيد إلي شئ من توازني ، و لا يظلمني ..
الذي يضايقني أيا كان، يستحق – جزاء على ما فعل – و أستحق أنا أيضا – إكراما لنفسي – أن أخبره فورا و صراحة و ببساطة شديدة و حتى بدون غضب .. اني اتضايقت ، معتبرة أن الضيق أصلا شعور إنساني وارد جدا و حق مكفول لكل كائن حي . لا أنكر أن القرار كان مجديا جدا و عادلا و منصفا جدا مع أكثر المقربين ، و مع بعض الغرباء أيضا ..، وصلت بي رغبتي في تطبيق القاعدة في أحد المرات إلى أن أذهب لصاحب "الكشك" المجاور لحيث أعمل ، و الذي اعتاد في فترة ما لعدة أيام متتالية كلما مررت من أمام الكشك أن يـ"بسبس" ( يعني يعمل بسسسس بسسسس .. زي اللي بتتعمل للقطط دي ) الأمر الذي كان يضايقني و يقززني و يستفزني، عدت إليه بعد الــ بسس، و بعد أن كنت قد دخلت العمارة بالفعل ، لأبتسم له في بساطة و برود و أخبره " انا مش بحب بسسست دي .. ممكن متقولهاليش تاني ؟؟ " ، اندهش الرجل و "تنح" ، و لم أزد كلمة ، طلبت منه كارت فودافون "بعشرة" ، و دخلت العمارة .. و لم يكررها أبدا ،و هو ما أندهشه حتى الآن للصدق .
رغم جدوى الفكرة أحيانا .. إلا أن بعض الناس أو فلنقل كثير من الناس .. الحقيقة أنه معظم الناس ... لديهم حساسية مفرطة من أن يُخبروا بأنهم قد ضايقوك ،حتى و لو أكدت مرارا أنك تعلم أنهم غالبا لا يقصدون ذلك و تفهم أنهم غير عامدين ،الأمر الذي يتحول بي فجأة من محاولاتي للتخفيف عن نفسي و إزاحة عبأ الضيق – البسيط الأسباب أصلا - و محاولة استرداد الطاقة الإيجابية ، إلى استنفاذ كل الطاقة .. لمصالحتهم و مراضاتهم أو حتى مجرد إسكاتهم بعد أن أتحول أنا للمذنب الأول و الأخير .. لأني اتضايقت .. أو لأني اتكلمت و قلت اني متضايقة .. أو لأني حاجة تانية هما عارفينها و أنا لا ...
و إلى هذه الكمية من البشر الذين لا يجيدون التعامل مع حق الآخر في الضيق و الغضب (منهم) و حقه في التعبير عن ذلك .. ربنا يسامحكم.